التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محمد مهدي الجواهري

محمد مهدي الجواهري : هو محمد بن عبد الحسين الجواهري أحد أهم شعراء العراق والوطن العربي في العصر ولد في النجف في تموز عام 1899ميلادي من عائلة عرفت بالعلم والأدب والمكانة الرفيعة فوالده هو عبد الحسين الجواهري أحد علماء النجف  ومن أجداده الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ألف كتابا في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام " وقد عرفت العائلة بالجواهري نسبة له .
بدت الابن محمد مهدي الجواهري علامات الذكاء والمقدرة على الحفظ فقد حفظ الكثير من نهج البلاغة كما حفظ الكثير من الشعر العربي ولاسيما شعر المتنبي فقد حفظ ديوان المتنبي كاملا ،أراده أبوه عالما فألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة وأرسله الى مدرسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة فأخذ عن شيوخه النحو والصرف والبلاغة والفقه الا أن ميله للشعر غلب عليه وقد نشر أول مجموعة شعرية له في سن الخامسة والعشرين من العمر تحت عنوان (خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح ) وفي عام 1923 أصدر أول دواوينه بعنوان (حلبة الأدب) وهو مجموعة معارضات لمشاهير شعراء عصره كأحمد شوقي وايليا أبو ماضي وغيرهم من الشعراء وفي عام 1928 ظهر له ديوان (بين الشعور والعاطفة ) ثم ديوان الجواهري في ثلاثة أجزاء (1935-1945-1953) .
وتنقل الكاتبة عزيزة السبيني في احدى مقالاتها مقاطع من كتاب ( مع الجواهري (الحدث والذات والقصيدة ) حيث يشرح الجواهري بداية تكونه كشاعر فيقول :
"منذ الصغر كان التهيب يتملكني أمام الشعر . كنت أكتب وأمزق لأني اعتقدت أنه أكبر من طموحاتي أن أكون شاعرا ، ومنذ لقنت أول العلوم تكوّنت ذائقتي على أساس أن الحرف مضمون ، وليس مجرد صياغة أو أناقة وكانت الفكرة تتكون عندي قبل أوان التفكر والتفكير في المراحل الشعرية.
كان نديمي وصديقي الحقيقي هو خير مافي التراث العربي كله . ولهذا قرأت البيان والتبين وأنا ابن العاشرة وربما الحادية عشرة وكذلك كتب ابن المقفع ، والشعر العربي من الجاهلية وحتى عصر المماليك .
حفظت ديوان أبي العلاء بيتا بيتا ، وتعصبت للبحتري منذ العشرينات ولازمني هذا التعصب ، لذلك كنت آتي الى المجالس النجفية وأعرف من قبل أني أعيش عالما غير عالمي . لدي احساس بل ويقين بأن هؤلاء الذين أخالطهم لم يقرأوا ثلاثة كتب من الثلاثمائة كتاب التي كنت أقرأها ، ولم يتكون عندهم المنطق الذي يتكون منه الشاعر بمعنى الكلمة .
عمل الجواهري لفترة قصيرة في البلاط الملكي بعد تتويج الملك فيصل الأول ملكا على العراق ثم ترك هذا العمل ليتوجه الى عالم الصحافة فأسس جريدة الفرات التي أغلقتها الحكومة ولم يستطع اعادة فتحها انتقل بعدها الى سلك التعليم وعمل معلما في المدارس والثانويات في عدة مدن منها بغداد والبصرة والحلة وفي عام 1936 استقال الجواهري من التدريس نهائيا .وفي هذا العام وقع انقلاب عسكري بقيادة بكر صدقي أسقط فيه حكومة ياسين الهاشمي وأصدر الجواهري عقب الانقلاب جريدة أسماها (الانقلاب) وقد تم اغلاقها وسجن ثلاثة أشهر بسبب مواقفه من الانقلاب .
بعد خروجه من السجن أعاد فتح جريدته من جديد تحت اسم ( الرأي العام ) وقد كانت وزارة بكر صدقي قد استقالت .
وتم اغلاق الصحيفة أكثر من مرة بسبب المقالات التي كان ينشرها .
خاض الجواهري خلال حياته معترك السياسة فقد كان من الأعضاء المؤسسين للحزب الوطني وقد اتخذ الحزب من جريدة الجواهري ( الرأي العام ) جريدة له ثم وعلى اثر الخلافات بين أعضاء الحزب قدم الجواهري استقالته من الحزب وفي عام  1947 تم انتخابه نائبا في مجلس النواب العراقي وتم حل مجلس النواب في عام 1948 نتيجة لمعاهدة  (بورتسموث )التي كانت تهدف الى ربط العراق ببريطانية .
ويعبر الجواهري عن علاقته بالسياسة ودور شعره في هذا المجال فيقول :
"لا أعتبر نفسي سياسيا بالمعنى المتعارف عليه ، ولا أفهم كثيرا بالسياسة لكن هناك مواقف وأحداث تستدعي شيطاني الشعري ويكفيني اشارة فقط وكأني كنت أنتظرها و احتاجها لألبيها شعرا ب؟أكثر مما تحتمل ، ومن هذه الاشارة تنطلق القصيدة انطلاقة طبيعية وعاطفية ليأتي ما يعجب وما يثير ويؤذي ، وقد يكلف الموقف غاليا ولكن هذا لا يهمني مادمت قد تلقيت الاشارة ".
كانت حياة الجواهري عامرة بالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية تأثر بها وتفاعل معها وكثيرا ما تحمل تبعات مواقفه وآراءه فقضى معظم حياته متنقلا بين البلاد هربا من مطاردة الحكام له كما سحبت منه الجنسية العراقية أكثر من مرة وكان آخرها عام 1994 فغالبا ما استخدم شعره لانتقاد الحكام الذين تحكموا بالبلاد ومقدراتها .
يقول الجواهري : "كنت أرى البلد على الرغم مافيه من مآس وكوارث ،يستخدم بيد حفنة من السياسيين ....... كل الاعتبارات الطائفية والعشائرية والتوازنات تدخل في اختيار هذا الشخص أو ذاك الا اعتبار واحد وهو الكفاءة ،كنت أتابع الأزمة وأحدد موقعي وموقع شعري فقد كرهت انتظار العواقب والخمول والمقاتلة واخترت موقع المشاغب وفارقت قصائدي رقتها وتحولت الى معاول للهدم ".
تنقل الجواهري خلال حيلته بين عدد من البلدان كايران وجمهورية التشيك وسوريا التي أمضى فيها آخر فترة من حياته حيث انتقل للاقامة فيها عام 1980 وقد وافته المنية فجر الأحد المصادف 27 توز عام 1997 في احدى مستشفيات العاصمة السورية دمشق وشيع تشييعا رسميا وشعبيا مهيبا  ودفن الجواهري في مقبرة الغرباء في منطقة السيدة زينب في دمشق الى جانب قبر زوجته السيدة أمونة وعلى قبره نحتت خارطة العراق من حجر الغرانيت مكتوب عليها "يرقد هنا بعيدا عن دجلة الخير" في اشارة لقصيدته "دجلة الخير" التي مطلعها :

حيّيتُ سفحَكِ عن بُعــــدٍ فحيـِّيني
يا دجلةَ الخيرِ يا امَّ البســــــاتينِ
حييَّتُ سفحكِ ظمآنا ألــــــوذُ به
لـــــوذَ الحمائمِ بين الماء والطين
يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً افـــــارقُهُ
على الكـــــراهةِ بين الحينِ ولبحين
إنِّي وردتُ عيونَ الــــماء صافيةً
نبْعا فنبْعا فما كــــــانت لترْويني
وانتَ يا قاربا تلْوي الريــــاحُ به
لَيَّ النســــــــائمِ اطرافَ الافانين
ودِدتُ ذاك الشِراعَ الـرخص لو كفني
يُحاكُ منه غداةَ البين يطــــــويني
وبذلك تنتهي حياة واحد من أكبر شعراء العرب في العصر الحديث وقد لقبه النقاد بشاعر العرب الأكبر ومتنبي العصر وصناجة العلرب في القرن العشرين .

شعر الجواهري :

لقد بدأ الجواهري مسيرة حياته الشعرية في بدايات القرن العشرين وقد اتبع الأسلوب الكلاسيكي القديم وتميز الجواهري بفصاحة اللغة وجزالة الألفاظ ويصف لنا منير بصري في كتابه " أعلام الأدب في العراق الحديث " عن لغة الجواهري وفصاحته حيث يقول :
" الجواهري عملاق الشعر العربي ،عباسي الديباجة ، طويل النفس ، يرص كلماته وأشطره رصا فتجيء قصائده كالصرح الممرد أو الطود الشامخ ، ويكسو معانيه أثوابا مؤنقة من جزل الألفاظ ".

كما يتحدث الجواهري عن علاقته بالمتنبي الذي حفظ قصائده فيقول :
" كلما كبرت وكبرت قصائدي تأكدت من تقارب يكاد يصل الى التطابق بين مصيري ومصير المتنبي " .
وقد تنوعت الأغراض الشعرية لدى الجواهري بين الغزل والرثاء والسياسة والوطنية والوصف وغيرها من الأغراض تبعا للأحداث التي مرت به وبوطنه وبمن حوله فرثى أخيه جعفر عندما استشهد خلال التظاهرات المعارضة لمعاهدة بورتسموث بقصيدتين هما "أخي جعفر" و "يوم الشهيد"
حيث يقول في قصيدة (أخي جعفر) :

أتعلم أم لا تعلم                                بأنّ جراح الضحايا فم
فم ليس كالمدعي قولة                         وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع                 أريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنّفر المهطعين                       أهينوا لئامكم تكرموا
أتعلم أن رقاب الطغاة                            أثقلها الغنم والمأثم
وأن بطون العتاة التي                  من السحت تهضم ما تهضم
وأن البغيّ الذي يدعي                  من المجد مالم تحز "مريم"
ستنهدّ ان فار هذا الدم                    وصوت هذا الفم الأعجم
فيالك من مرهم ما اهتدى                   اليه الأساة وما رهموا
.
.
.
أخي "جعفرا" يا رواء الربيع                 الى عفن بارد يسلم
ويازهرة من رياض الخلود                تغوّلها عاصف مرزم
وياقبسا من لهيب الحياة                  خبا حين شبّ له مضرم
وياطلعة البشر اذ ينجلي                 وياضحكة الفجر اذ يبسم
لثمت جراحك في "فتحة"           هي المصحف الطهر اذ يلثم
وقبلت صدرك حيث الصّميم        من القلب ، منخرقا ، يخرم


كما يقول في قصيدته (يوم الشهيد ) :
يوم الشهيد : تحية وسلام                      بك والنضال تؤرّخ الأعوام
بك والضحايا الغرّ يزهو شامخا             علم الحساب ، وتفخر الأرقام
بك والذي ضم الثرى من طيبهم                  تتعطر الأرضون والأيام
بك يبعث اليل المحتم بعثه                          وبك القيامة للطغاة تقام
وبك العتاة سيحشرون وجوههم               سود ، وحشو أنوفهم ارغام
صفا الى صف طغاما لم تذق               ما يجرعون من الهوان طعام
ويحاصرون فلا وراء يحتوي                  ذنبا ولا شرطا يحوز امام
وسيسألون من الذين تسخّروا                  هذي الجموع كأنها أنعام

يقول الجواهري :" لم تدخل المرأة شعري الا بعد  السابعة والعشرين لأنها لم تدخل حياتي خلال ذلك الا كسرقة خاطفة ففي بيئة دينية محافظة الى حد الانغلاق يتحتم على شاب مثلي أن يكبت أبسط حاجاته ، الحاجة للمرأة ولذلك عشت الكبت المرهق الذي يتصادف ويسير مع الكبت الأكبر الذي يعيشه شعب كامل محروم من أبسط حقوقه السياسية والاجتماعية ولذلك يتفجر الاثنان معا ،وبالحدة نفسها ، وحتى في القصيدة الواحدة ".

الا أن هذا الدخول للمرأة وان كان متأخرا الا أنه كان قويا فقد  حضرت المرأة في شعر الجواهري بقوة أما وزوجة واخت وابنة وحبيبة فظهرت في شعره بصور شتى تبعاى لموقعها وتبعا لطبيعة الحدث الذي مر به الجواهري ويقول الجواهري في ذلك :
(( ففي رحلة من ثمانين عاما لاقيت ما لاقيت ورأيت ما رأيت وتغزلت بنسائن ما رأيتهن ورأيت نساء ما تغزلت بهن وكان لي مباذل وكان لي عشق مقدس وصليت في محاريب نساء والها مفرحا دنفا وعزفت عن الصلاة في محاريب أخر ، بكيت ورثيت أحبة لي زوجا وأختا وطفلات وفي هذا كله لم أكن الا بشرا له جذوة في القلب )) .

وربما من أجمل ماقاله الجواهري قصيدته (قفص العظام )التي ودع بها والدته وهوفي طريقه الى مصر في عام 1951 ويقول في مطلعها :

تعالى المجد ياقفص العظام                          وبورك في رحيلك والمقام
وبورك ذلك العشّ المضوّي                     بوحشته.. وبالغصص الدّوامي
وصابتك التحايا عاطرات                           بما لم يحتمل صوب الغمام
تعالى المجد لا مال فيخزي                               ولا ملك يحلّل بالحرام
ولا نشب تهان الروح فيه                               فتخضع للطغاة وللطّغام
ولكن مهجة عظمت فجلّت                         وجلّ بها المروم عن المرام

كما رثا الجواهري زوجته الآولى بقصيدة رائعة ومنها الأبيات التالية :

حُـيّيتِ ((أُمّ فُـراتٍ)) إنّ والدةً                             بمثلِ ما أنجبَتْ تُكنى بمـا تَـلِد
تحيّـةً لم أجِدْ من بثّ لاعِجِهـا                                بُدّاًوإنْ قامَ سَدّاً بيننا اللّحد..
خَلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يَستُرُني                      وبانَ كِذبُ ادّعائي أنّني جَـلِدُ..
إنّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بهِ                      ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا ..
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ                       واللهِ لو كانَ خيرٌ أبطأتْ بُرُد..
أينَ المَفَرّ وما فيها يُطارِدُني                          والذِكرياتُ طريـاً عُودُها، جُـدُدُ

كما رثا زوجته آمنة الجواهري بقصيدة ومنها قوله :

 ها نحنٌ أمونه ننأى ونفترق                      والليلُ يمكثُ والتسهِيدُ والحرقُ
والصبحُ يمكثُ لاوجهٌ يصبحني                   بهِ، ولا بسماتٌ منــــــــكِ تنطلقُ
أمونهً والضَمير الحي ضاربة                     عروقهُ والضَميرَ الميِِِت يـــعترقُ
خمسٌ وخَمسون عاماً عشناها مراوحةً            نَبزُ منْ سُعِدوا فيها ومنْ شُــــنقوا
يا حُلوةَ المُحتلى والنَفسُ ضائقةٌ                    والأمرُ مختلطٌ والجَـــــو مختـنقُ
يا ضْحوكةَ ثغرٍ والدُنى عبسٌ                       ويا صَفيةَ طبْعٍ والمُنى رَنـــــقُ
ويا جَسوراً على البَلّوى تَلطُفها                     حِينَ تَعودُ كَبِنتِ الحانُ تصطفقُ
مني عليكِ سلامٌ لايقومَ بهِ                           سَنُ الَيَراعَ ولا يقْوى بهِ الوَرقُ
يا رحمةَ الله غادَ المؤمنينَ بهِ                      
وخلُ امونةَ حنواً لمنْ ســـبقوا
كما كان لأخته الوحيدة نبيهة نصيبا من شعره فعندما أهدى لها ديوانه 1977 خصها بأربعة ابيات منها :
يافرحة العمر ظلي بسمةّّ عمرت                  بالذكريات تواسيني وتسليني
حسبي وحسبك عن بعد وعن قرب               أني اناجيكي في هذي الدواوين
وعندما توفيت أخته نبيهة في عام 1987 رثاها بقوله :
نبيهةٌ، إن الحياةَ ملْعَبَهْ، ونحنُ فيها ((طابة)).. ومَضْربَهْ
رهن الليالي كيفما دارتْ بنا، كعقربِ ((الساعةِ)) رهنَ الذبذبه
حبيبتي ((نبيهةٌ)) كيف ذوتْ، معجـلـــةً بسـمتكِ المحبّبهْ؟..
حبيبتي ونحن والخلقُ معاً، أسرى طيوفٍ حلوةٍ ومرعبهْ
نجتـازُ ألفَ غصةٍ وغصةٍ تعتاقنا.. ناسين هذي العقبهْ
ما أخبث العمرَ بمـا يخدعنا، حتى نخالُ أنه ما أطيَبهْ..
حبيبتــي ((نبيهةٌ)) سنلتقي، عما قليلٍ عندَ هذي ((المتربهْ))
كما تعرف الشاعر خلال حياته على العديد من النساء اللواتي ذكرهن في شعره ومن اشهرهن معشوقته "انيتا " الحسناء الفرنسية ومما قال فيها :
ان وجه الدجى "انيتا " تجلى                    عن صباح من مقلتيك أطلا 
وكأن النجوم ألقيّن ظلا                           في غدير مرقرق ضحضاح
بين عينيك نهبة للرياح                           ورياض المروج أهدتك طلا 
رشفة مج عطرها وتولى                        حيث هذا الرأس الجميل تدلى 
والفراش الذي به يتملى                          خصلات من شعرك الذهبي
كنت فيكي الثريّ ،اي الثريّ
تغنى الجواهري ببعض المدن والأماكن التي زارها لاسيما تلك التي كانت لها مكانة خاصة في نفسه كمدينة يافا التي انشد فيها شعرا خلال زيارته لفلسطين زمن الانتداب البريطاني فيتحدث عن هذه الزيارة قائلا :
"يشاء الحظ أن تكون أولى رحلاتي بالطائرة الى فلسطين كنت قد تلقيت دعوة من اذاعة الشرق الأدنى لاقامة أمسية شعرية في يافا وكان الطيران كوسيلة نقل مايزال حديث العهد وذيول الحرب العالمية الثانية مازالت سارية ولذلك وقعت مايشبه وصية الميت ... وقلت آنذاك ان الأمر يستحق المجازفة مادام الوعد هو رؤية فلسطين الجميلة ، كنت أراقب سهول فلسطين الخضراء وجبالها من فوق السحاب وأنا أدمدم مطلع قصيدتي :
بيافا يوم حطّ الركاب                تمطّر عارض ودجا سحاب 
وفي الحفلة الضخمة التي أقيمت في النادي العربي في حضور شخصيات فلسطينية كثيرة نفّذت شرطي لقبول الدعوة وقلبت الحفلة على المضيفيين الانجليز الذين يديرون الاذاعة وقرأت بالتحديد قصائدي المناهضة للاستعمار والنفوذ الأجنبي في البلاد العربية وعندما قرأت قصيدتي الجديدة 
( يافا الجميلة ) ووصلت :
أحقا بيننا اختلفت حدود                         وما اختلف الطريق ولا التراب
رأيت المناديل البيض ترفرف على رؤوس الحاضرين كالحمائم 
بالاضافة الى يافا رأيت حيفا واللد والجليل والبحر الذي يحضن أجمل مدن العرب ، كما بهرني جلال المسجد الأقصى .
كانت رحلة العمر التي لن أنسى والتي تمنيت أنها لم تحدث أبدا . فالغصة تتملكني حتى كتابة هذه الأسطر وأنا أتذكر بما يشبه الحلم أني رأيت الفردوس الذي فقدناه .
ومن قصيدة (يافا الجميلة ) نقرأ :
ولمّا طبَّقَ الأرَجُ الثنايا                       وفُتِّح مِنْ جِنانِ الخُلدِ باب
ولاحَ " اللُّدُّ " مُنبسِطاً عليهِ                  مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها                    مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب
وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ                 ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ                ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
فيا داري إذا ضاقَت ديارٌ                    ويا صَحبيْ إذا قلَّ الصِحاب
لقد عاش الجواهري حياته مدافعا عن قناعاته وأفكاره في وجه الظلم والتخلف ودعا الى تحرير الفكر والانسان والارتقاء بالمجتمع الى المراتب العالية استخدم شعره سلاحا في وجه الظالم والمستعمر حاول ان يحارب التخلف والجهل بهذا الشعر الذي كان له أثر كبير في أوساط المجتمع  كما تميز شعر الجواهري بالقوة والجزالة ليعيد للشعر العربي تألقه وجماله الذي تميز به خلال العصر الذهبي للشعر لقد استحق الجواهري لقب شاعر ( العرب الأكبر ) لما أبداه من قدرة وتمكن قلّ نظيرهما .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسواق دمشق (سوق الحميدية)

سوق الحميدية : هو أحد أكبر وأشهر أسواق دمشق وقد بني السوق بشكله الحالي في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول عام 1780 ميلادي وقد اشتق اسمه من اسم هذا السلطان . يبدأسوق الحميدية عند التقاء نهاية شارع النصر مع شارع الثورة بجانب قلعة دمشق وهو سوق مغطى بالكامل وكانت تزين سقفه ثقوب كثيرة نتجت عن اطلاق النار على السوق من الطيران الفرنسي خلال التمرد على الانتداب وتنفذ من خلال هذه الثقوب  أشعة الشمس الى السوق كما تمتد نوافذ جانبية على جانبي السقف وعلى طول السوق ويقع سوق الحميدية في أحضان المعالم  الأثرية التي تحيط به كقلعة دمشق والمكتبة الظاهرية والجامع الأموي وغيرها من المعالم الأثرية  ويتفرعن سوق الحميدية العديد من الاسواق مثل سوق الحريقة وسوق البزورية وسوق العصرونية وسوق الحرير وغيرها من الأسواق . وينتهي سوق الحميدية عند بوابة معبد جوبيتير الدمشقي ومنه الى الساحة أمام الجامع الأموي في قلب المدينة القديمة . تباع في سوق الحميدية مختلف أنواع البضائع مثل الاصناعات التراثية كالصناعات النحاسية والأرابيسك والمصدفات وكافة أنواع الألبسة وأدوات الزينة والعطورات والذهب و...

مدينة تدمر(Palmyra)

تاريخ المدينة: تدمر باللاتينية (بالميرا-Palmyra) ومعنى تدمر في اللغة الاّرامية (المعجزة) ورد ذكر تدمر في السجلات التاريخية للمرة الاّولى في الألفية الثانية قبل الميلاد وانتقلت في تلك الفترة بين أيدي عدة دول حاكمة الى أن انتهى بها المطاف تحت سلطة الامبراطورية الرومانية في القرن الأول بعد الميلاد. كانت تدمر مدينة عظيمة الثراء بفضل موقعها الذي يقع عند نقطة تقاطع عدة طرق تجارية في العالم القديم وكانت حركة التجارة نشطة جدا بين دول الشرق والغرب ويظهر ذلك من مراسلاتهم حيث كانو يتراسلون مع دول الشرق باللغة الاّرامية ويراسلون دول الغرب باللغة اللاتينية وقد كان طريق الحرير الذي هو أحد أهم الطرق التجارية القديمة ويمتد من الصين شرقا الى أوربا غربا يمر بها وقد اشتهر التدمريون بمدن كثيرة أقاموها على هذا الطريق . وقد مكنتهم أرباح تجارتهم من انشاء أبنية هائلة في مدينة تدمر مثل كولوناد تدمر الكبير و معبد بل وقبور قائمة على هيئة أبراج . الرواق العظيم المؤدي الى قوس النصر المسرح الروماني كما اهتم التدمريون بالزراعة وطوروها من حيث بناء السدود لتجميع المياه وتطوير أساليب الري كم...

من مفكرة عاشق دمشقي للشاعر نزار قباني

يقول الشاعر في دمشق:  فرشت فوق ترابك الطاهر الهدبا              فيا  دمشق    لماذا    نبدأ     العتبا؟ حبيبتي   أنت   فاستلقي   كأغنية             على ذراعي ولا  تستوضحي السببا أنت  النساء جميعا ما  من  امرأة             أحببت   بعدك   الا     خلتها    كذبا        ياشام ، انّ جراحي لا ضفاف لها              فمسّحي عن جبينك الحزن  و التعبا    وأرجعيني  الى  أسوار  مدرستي             وأرجعيني الحبر والطبشور والكتبا تلك الزواريب كم كنز طمرت بها            وكم  تركت  عليها  ذكريات   صبا  وكم رسمت على جدرانها صورا             و...